أنواع الأمثال في القرآن

الملتقى العام

أنواع الأمثال في القرآن

الأمثال في القرآن ثلاثة أنواع:
1/ الأمثال المصرحة.
2/ والأمثال الكامنة.
3/ والأمثال المرسلة.

النوع الأول: الأمثال المصرحة:
وهي ماصرح فيها بلفظ المثل، أو مايدل على التشبيه.
وهي كثيرة في القرآن نورد منها ما يأتي!
(أ‌) قوله تعالى في حق المنافقين : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ، أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ ) إلى قوله: ( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .
ففي هذه الآيات ضرب الله للمنافقين مثلين: مثلاً نارياً في قوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ) لما في النار من مادة النور، ومثلاً مائياً في قوله: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ ) لما في الماء من مادة الحياة، وقد نزل الوحي من السماء متضمناً لاستنارة القلوب وحياتها. وذكر الله حظ المنافقين في الحالين. فهم بمنزلة من استوقد ناراً للإضاءة والنفع حيث انتفعوا مادياً بالدخول في الإسلام، ولكن لم يكن له أثر نوري في قلوبهم، فذهب الله بما في النور من الإضاءة ( ذهب الله بنورهم ) وأبقى مافيها من الإحراق، وهذا مثلهم الناري.
وذكر مثلهم المائي فشبههم بحال من أصابه مطر فيه ظلمة ورعد وبرق فخارت قواه ووضع إصبعيه في أذنيه وغمض عينيه خوفاً من صاعقة تصيبه، لأن القرآن بزواجره وأوامره ونواهيه وخطابه نزل عليهم نزول الصواعق.
(ب‌) وذكر الله المثلين: المائي والناري في سورة الرعد للحق والباطل. فقال تعالى: (أَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ ) .
شبه الوحي الذي أنزله من السماء لحياة القلوب بالماء الذي أنزله لحياة الأرض بالنبات، وشبه القلوب بالأودية، والسيل إذا جرى في الأودية احتمل زبداً وغثاء، فكذلك الهدى والعلم إذا سرى في القلوب أثار مافيها من الشهوات ليذهب بها، وهذا هو المثل المائي في قوله : (أَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ) وهكذا يضرب الله الحق والباطل.
وذكر المثل الناري في قوله: (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ) فالمعادن من ذهب أو فضة أو نحاس أو حديد عند سكبها تخرج النار مافيها من الخبث وتفصله عن الجوهر الذي ينتفع به فيذهب جفاء. فكذلك الشهوات يطرحها قلب المؤمن ويجفوها كما يطرح السيل والنار ذلك الزبد وهذا الخبث.

النوع الثاني من الأمثال: الأمثال الكامنة:
وهي التي لم يصرح فيها بلفظ التمثيل، ولكنها تدل على معان رائعة في إيجاز، يكون لها وقعها إذا نقلت إلى مايشبهها.

ويمثلون لهذا النوع بأمثلة منها:
1/ مافي معنى قولهم ( خير الأمور الوسط ) .
(أ‌) قوله تعالى في البقرة : (لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ ) .
(ب‌) قوله تعالى في النفقة: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) .
(ج‌) قوله تعالى في الصلاة: (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا ) .
(د‌) قوله تعالى في الإنفاق: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ) .
2/ مافي معنى قولهم : ( ليس الخبر كالمعاينة ) .
قوله تعالى في إبراهيم عليه السلام: (قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) .
3/ مافي معنى قولهم: ( كما تدين تدان ).
قوله تعالى: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ) .
4/ مافي معنى: ( لايلدغ المؤمن من جحر مرتين ).
قوله تعالى على لسان يعقوب: (قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ ) .

النوع الثالث: الأمثال المرسلة في القرآن:

وهي جمل أرسلت إرسالاً من غير تصريح بلفظ التشبيه. فهي آيات جارية مجرى الأمثال.
ومن أمثلة ذلك مايلي:
1/ ( الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ) .
2/ ( لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ) .
3/ ( قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ) .
4/ ( أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ) .
5/ ( لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ ) .
6/ ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ ) .
7/ ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ) .
8/ ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) .
9/ ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) .
10/ ( هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ ) .
11/ ( كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) .
12/ ( ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ) .
13/ ( لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ) .
14/ ( لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ ) .
15/ ( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ) .
16/ ( تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ) .

واختلفوا في هذا النوع من الآيات الذي يسمونه إرسال المثل، ماحكم استعماله استعمال الأمثال؟

فرآه بعض أهل العلم خروجاً عن أدب القرآن، قال الرازي في تفسير قوله تعالى: ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) " جرت عادة الناس بأن يتمثلوا بهذه الآية عند التركة، وذلك غير جائز، لأنه تعالى ما أنزل القرآن ليتمثل به، بل يتدبر فيه، ثم يعمل بموجبه ".

ورأى آخرون أنه لاحرج فيما يظهر أن يتمثل الرجل بالقرآن في مقام الجد، كأن يأسف أسفاً شديداً لنزول كارثة قد تقطعت أسباب كشفها عن الناس فيقول: ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ) أو يحاوره صاحب مذهب فاسد يحاول استهواءه إلى باطله فيقول: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) والإثم الكبير في أن يقصد الرجل إلى التظاهر بالبراعة فيتمثل بالقرآن حتى في مقام الهزل والمزاح.

كتاب مباحث في علوم القرآن للشيخ منّاَع القطان
1
4K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

اوراكيدا..
اوراكيدا..
جزاكـ، الله خير .. .. موضوع رائع ...

للرفع