القائد

الأدب النبطي والفصيح

القائد


بعد صراع دامي ومعارك ضارية خارج مدينته الهادئة،
ولجها شاكراً لربه على نصره المؤزر...
وهو يجر خطاه بوهن ..
دخل بيته فاستقبلته عاصفة فرح بمقدمه
رأى وجوهاً شاحبة تعلن الجوع قبل أن تتكلم
فانسحب خلسة
ودلف إلى مطبخه المتواضع ..
فلم يجد إلا شيئا قليلا من بقايا طحين،
لسد جوع طفليه وزوجته ووالديه...
ذرف دمعة حرى ،وخنقته الغصة
يا إلهي ما الذي أصاب البلاد والعباد؟
إلى أي وضع وصلنا ؟
***
مع نسمات الصباح الخريفي القارس ،
انطلق ليبحث عن عمل ،
عاد لابسا ثوب التعب الذي لم يفارقه ،
مقطعا أوصال راحة كان يرسمها في مخيلته
حين كان في أرض المعركة.
رؤيته لأهله متحلقين حوله محملقين أعينهم في وجهه،
أنسته مرارة واقع يطحنه كما يطحن الرحى الحب .
***
بينما هو بين أطفاله وأهله
إذا بأصوات المدفعية ترج مدينته...!!
_ ما الأمر
_لقد وصل العدو إلى مدينتنا وهو الآن على مشارفها ،
قد يهجم في أي وقت!!!!
_كونوا على حذر
_أيها القائد...
_نعم !!
_وأنت متى تلحق بنا؟
هذا السؤال كان من جندي في كتيبته
جاءه إلى البيت ليطلعه على مايحدث ..!
***
نظر حوله فإذا والدين عجوزين ضعيفين ،
يحتاجان رعاية وحنان!!!!
تقاسم الزمن عذاباته المنتشرة على صفحات وجهيهما.
نظر إلى طفليه وهما يتعلقان به ،
يجذبانه نحوهما ببراءة ويتعلقان به كي يلاعبهما.
نظر لزوجة لم تعرف إلا الخوف عليه كلما خرج
من أيادي الشر التي تترصده
منذ أن نذر نفسه للدفاع عن قضيته العادلة .
تذكر حين يغيب عن أهله في أرض المعركة،
كيف يكشر الفقر أنيابه ..
تحير وتاه قلبه بين واجب وطنه ،وواجب أسرته.
استل خنجر الصبر أخيرا وقطع به وريد التردد،
وارتدى لباسه العسكري ..!!
احتضن طفليه ثم طبع على خدودهم قبل أخيرة.
أقبل على والديه ولا يعلم كيف يودعهما.
رأى العجوز ابنه متأهباً للمعركة
فجثى وخارت قواه...
_ بني إلى إين أنت ذاهب ،ونحن لمن ؟
_ لا عليك يا أبي ، الله سيتولانا جميعاً سأعود بإذن الله..!
لا تبخل علي بدعائك ياأبي
وأنت ياأمي ..
خرج وهو يكتم دموعه ..
وما أن أدار ظهره للبيت وضمه الشارع
حتى طفرت دمعة بائسة أبت إلا أن تعلن حزنه وألمه..
وتذكر كلمات زوجته الضعيفة :
لاتتركنا أرجوك .. ماذا سنفعل؟ .. وكيف سنعيش؟
وكيف يهدأ لي بال وأنا أتصورك في كل لحظة قتيلاً ..!
_ لاعليك عزيزتي ،
أنا عائد إن شاء الله تفاءلي
لكن لابد الآن من تلبية نداء الوطن.
أنهارت بالبكاء بين يديه وعجزت عن توديعه..
***
قطع طريق الوداع ..
وزوجته كانت تلاحقه بنظرات محترقة،
ونبضات قلب متسارعة ،
تكاد تقفز من بين ضلوعها ..!
راقبته من خلال النافذة ،
وهو يبتعد شيئاً فشيئاً حتى ابتلعه الطريق ..!.
***
كان هنالك في المعسكر كبار الضباط والعسكريين. .
_ لقد أتيت بسرعة كما عهدناك ،رغم معرفتك بخطورة الوضع .
_ سيدي لقد سارعت في تلبية نداء الواجب المقدس ،
فإن لم نقاتل من أجل وطننا فمن سيحميه ؟؟؟
أخذ حاجاته الشخصية متجها صوب كتيبته
المعدة لمهاجمة العدو.
كتب وصيته ،ووضعها بين أغراضه .
رفع هاتفه يحادث أهله ويوهمهم أنه لن يدخل المعركة ،
تنفست أسرته الصعداء
بينما أخذ عدته وقاد كتيبته إلى المعركة .
توالت الانتصارات لكتيبته الفتية..ونداء : الله أكبر ! يعلوها
سقطت أيادي العدو واندحر ..
وكتب النصر على يديه ..!
لم تغره الغنائم ..
لكنه فرح بنجاة كتيبته التي أذاقت العدو الويلات ..
وبسلامة جنده
لم يستغل النصر ، وصيته الذي علا وذاع بالبطولة
لمصلحته او لمنفعة ذوي قرباه ..
كان القتال والنصر لأجل الله ثم الوطن العزيز ولاشيء سواهما .
***
انتهت المعركة ..
وعاد ومن معه إلى قلب مدينتهم شبه المدمرة ..
لكنهم قرؤوا فرحة النصر على كل الأنقاض
غداً سيعود كل شيء لوضعه
إنها مجرد حجارة ..
المهم أن القلوب لم تنكسر
والوطن لم ينهزم ..
كل شيء بخير إذن ..!
***
قطع الطريق إلى بيته يحمله الشوق والفرح إلى لقاء الأحبة
تصوّر نفسه بينهم وهم يحيطونه بالحب والشوق
وينهالون عليه بالأسئلة ..
وهو يقص عليهم مواقف المعركة وكل صغيرة وكبيرة..
كان سادراً في تخيله وافكاره وهو يقطع الطريق
***
وبينما كان يهم بصعود الدرج المؤدي إلى بيته ،
استوقفه صاحب دراجة وسلم عليه وهو يبتسم ..
وقبل أن يرد السلام ... سقط على الأرض صريعا ..
واختنقت الكلمات في صدره ..
بعد أن أصابت ست رصاصات في صدره مقتلاً..!
من مسدس كاتم للصوت أطلقته يد الغدر والخيانة .
***
رحل القائد ..
الذي هزم الموت في ساحة المعركة
قرب داره ..!
وكان بينه وبين اللقاء ..
مسافة سلّم ..
ودقيقة من الزمن ..
فيالمفارقات.....!!!
أعتلى مكانه مدعي البطولة ،متباكيا على رحيله، ليغير كل الأسس التي بدأها القائد ،لتصبح مدينته ساحة قتال وتناحر بين فرقاء المصالح، تسكن ليلها أشباح القتل والأغتيالات ،رائحة الموت تفوح من كل مكان،ونظرة الانتقام تلمع في كل عين.
رحل القائد مخلفا والدين أحناهما الكبر ..وزوجة وحيدة صبية ضعافا أغتال صحتهم مرض سوء التغذية الوخيم،ومدينة ذبح بطولتها نمارة الورق.







طيييييييييييف
7
673

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

المحامية نون
المحامية نون
صور مترابطة جسدتها ياطيف ..
وكأننا أمام مشاهد حقيقة .
..أحسنت التصوير بأسلوبك الجميـــل والمميز ...
رغم النهاية الأليمــة للقائد الشجاع .....
بورك قلمك البارع ....وجمال أفكارك ...
دمت بخير ❤
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
رائع ياطيف الأحلام ومعبر قلمك
صورة نموذجية للشجاعة والتضحية والفداء
في سبيل الوطن الغالي
بارك الله بك
وإلى مزيد من العطاء والتقدم .
°•🍃مشاعل الخير 🍃•°
بارك الله في قلمك طيف..
راااائع ..
حنين المصرى
حنين المصرى
سلمت يداك طيف الغالية
تصوير جميل وقلم مميز
وصورة جميلة لقائد شجاع
يحب وطنه ويؤمن بقضيته
سلمت يداك غاليتي
ودمت بود وحب دائمين
طيف اليمانية
طيف اليمانية
صور مترابطة جسدتها ياطيف .. وكأننا أمام مشاهد حقيقة . ..أحسنت التصوير بأسلوبك الجميـــل والمميز ... رغم النهاية الأليمــة للقائد الشجاع ..... بورك قلمك البارع ....وجمال أفكارك ... دمت بخير ❤
صور مترابطة جسدتها ياطيف .. وكأننا أمام مشاهد حقيقة . ..أحسنت التصوير بأسلوبك الجميـــل والمميز...
شكرا لك على دعمك وتشجيعك محاميتنا